أولا: شروط الحج
إنّ الشريعة الإسلامية جاءت من لَدُن حكيم خبير، لا
يُشرع منها إلاّ ما كان مُوافقاً للحكمة، ومطابقاً للعدل، لذلك كانت الواجبات
والفرائض لا تلزم الخلق إلاّ بشروط مرعية يلزم وجودها حتى يكون فرضها واقعاً
موقعه.
فمن ذلك فريضة الحج لا تكون فرضاً على العباد إلاّ بشروط:
1. الإسلام :
بمعنى أنّ الكافر لا يجب عليه الحج قبل الإسلام،
وإنّما نأمره بالإسلام أولاً، ثم بعد ذلك نأمره بفرائض الإسلام، لأنّ الشرائع لا
تُقبل إلاّ بالإسلام، قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ
أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ
وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ
يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54].
2. الاستطاعة :
الاستطاعة
الصحية والمالية .
بالمال والبدن، بأن يكونَ عنده مال يتمكن به من الحج
ذهاباً وإياباً ونفقة، ويكون هذا المال فاضلاً عن قضاء الديون والنفقات الواجبة
عليه، وفاضلاً عن الحوائج التي يحتاجها من المطعم والمشرب والملبس والمنكح والمسكن
ومتعلقاته وما يحتاج إليه من مركوب وكُتبِ علمٍ وغيرها، لقوله تعالى:
3.البلوغ :
وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ
مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:59]، وقول النبي
صلى الله عليه وسلّم: «غُسل الجمعة واجب على كل محتلم»
[متفق عليه].
لكن يصح الحج من الصغير الذي لم يبلغ لحديث ابن عباس
رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم لقي رَكباً بالروحاء ـ اسم موضع ـ
فقال: «من القوم ؟» قالوا:المسلمون. فقالوا: من
أنت ؟ قال: «رسول الله»، فرفعت إليه امرأة صبياً
فقالت: ألهذا حج ؟ قال: «نعم ولكِ أجر» [رواه
مسلم]. وإذا أثبت النبي صلى الله عليه وسلّم للصبي حجاً ثبت جميع مقتضيات هذا الحج
فليُجنَّب جميع ما يجتنبه المُحرم الكبير من محظورات الإحرام، إلا أن عمدَه خطأٌ،
فإذا فعل شيئاً من محظورات الإحرام فلا فدية عليه ولا على وليِّه.
4.الحرية :
فلا يجب الحج على مملوك لعدم استطاعته.
5. العقل :
فالمجنون لا يجب عليه الحج ولا يصح منه لأنّ الحج لا
بد فيه من نية وقصد، ولا يمكن وجود ذلك من المجنون.
6. المحرم للمرأة فمن
لم تجد فرفقة آمنة :
ومن الاستطاعة أن يكون للمرأة مَحْرَمٌ، فلا يجب أداء
الحج على من لا محرم لها لامتناع السفر عليها شرعاً، إذ لا يجوز للمرأة أن تسافر
للحج ولا غيره بدون محرم، سواء أكان السفر طويلاً أم قصيراً، وسواء أكان معها نساء
أم لا، وسواء كانت شابة جميلة أم عجوزاً شوهاء، وسواء في طائرة أم غيرها لحديث ابن
عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يخطب يقول: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة
إلاّ مع ذي محرم»، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي خرجت حاجة،
وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : «انطلق فحج مع امرأتك». ولم يستفصله النبي صلى الله
عليه وسلّم هل كان معها نساء أم لا؟ ولا هل كانت شابة جميلة أم لا؟ ولا هل كانت
آمنةً أم لا؟ والحكمة في منع المرأة من السفر بدون محرم صونُ المرأة عن الشر
والفساد، وحمايتها من أهل الفجور والفسق؛ فإن المرأة قاصرةٌ في عقلها وتفكيرها والدفاع
عن نفسها، وهي مطمعُ الرجال، فربما تُخدع أو تُقهر، فكان من الحكمة أن تُمنع من
السفر بدون محرم يُحافظ عليها ويصونها؛ ولذلك يُشترط أن يكون المَحرَم بالغاً
عاقلاً، فلا يكفي المحرم الصغير أو المعتوه.
والمَحرَمُ زوج المرأة، وكل ذَكرٍ تَحرمُ عليه تحريماً مؤبداً بقرابةٍ أو رضاع أو مصاهرة.
وأركان الحج:
1- الإحرام.
وهو نية الدخول
في النسك لقول الرسول- صلى الله عليه وسلَّم- : ( إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى ) ، وله زمان محدد وهي أشهر الحج
التي ورد ذكرها في قوله تعالى { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج
فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج }
(سورة البقرة الآية 197) ، ومكان محدد وهي المواقيت التي يحرم الحاج منها .
2-الوقوف بعرفة.
لقول النبي -
صلى الله عليه وسلم- : (الحج عرفة ، من جاء ليلة جَمْع
قبل طلوع الفجر فقد أدرك ) رواه أبوداود وغيره،
والمقصود بجَمْع: المزدلفة، ويبتدئ وقته من زوال شمس يوم التاسع من ذي الحجة ويمتد
إلى طلوع فجر يوم النحر ، وقيل يبتدىء من طلوع فجر اليوم التاسع .
فمن حصل له في
هذا الوقت وقوف بعرفة ولو لحظة واحدة فقد أدرك الوقوف، لحديث عروة بن مضرس رضي
الله عنه قال : أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المزدلفة حين خرج إلى الصلاة
، فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبل طيئ ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، والله
ما تركت من حبل إلا وقفت عليه ، فهل لي من حج ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم- : ( من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ،
وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه ، وقضى تفثه ) رواه أبو داود وغيره .
وفي أي مكان وقف
من عرفة أجزأه لقول النبي - صلى الله عليه وسلّم- : (
وقفت ههنا وعرفة كلها موقف ) أخرجه مسلم .
3- طواف القدوم.
4- طواف الإفاضة:
لقوله
سبحانه :{ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا
بالبيت العتيق } (سورة الحج الآية 29) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم-
قال - حين أُخبِرَ بأن صفية رضي الله عنها حاضت
- ( أحابستنا هي ؟، فقالوا : يا رسول الله إنها قد
أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة ، قال : فلتنفر إذاً ) متفق عليه ،
مما يدل على أن هذا الطواف لا بد منه ، وأنه حابس لمن لم يأت به ، ووقته بعد
الوقوف بعرفة ومزدلفة ولا آخر لوقته عند الجمهور بل يبقى عليه ما دام حياً ، وإنما
وقع الخلاف في وجوب الدم على من أخره عن أيام التشريق أو شهر ذي الحجة .
5- السعي بين الصفا والمروة:
لقوله- صلى الله عليه وسلم- : ( اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ) رواه أحمد ولقول عائشة رضي
الله عنها : " طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وطاف المسلمون- تعني بين
الصفا والمروة - فكانت سنة ، فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة
"رواه مسلم .
وهذا السعي هو
سعي الحج ، ووقته بالنسبة للمتمتع بعد الوقوف بعرفة ومزدلفة وطواف الإفاضة ، وأما
القارن والمفرد فلهما السعي بعد طواف القدوم .
فهذه الأركان الأربعة : الإحرام ، والوقوف بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين الصفا والمروة لا يصح الحج بدونها ، ولا يجبر ترك شيء منها بدم ولا بغيره ، بل لا بد من فعله ، كما أن الترتيب في فعل هذه الأركان شرط لا بد منه لصحتها ؛ فيُشترط تقديم الإحرام عليها جميعاً ، وتقديم وقوف عرفة على طواف الإفاضة ، إضافة إلى الإتيان بالسعي بعد طواف صحيح عند جمهور أهل العلم .
لتوضيح المعلومة بشكل اوسع اضغط على الرابط بالاسفل لمشاهدة بوربوينت.
سنن
الحج:
وما
عدا هذه الأركان والواجبات من أعمال الحج فسنن ومستحبات ، كالمبيت بمنى في اليوم
الثامن ، وطواف القدوم ، والرمل في الثلاثة الأشواط الأولى ، والاضطباع فيه ،
والاغتسال للإحرام ، ولبس إزار ورداء أبيضين نظيفين ، والتلبية من حين الإحرام
بالحج إلى أن يرمي جمرة العقبة ، واستلام الحجر وتقبيله ، والإتيان بالأذكار
والأدعية المأثورة ، وغير ذلك من السنن التي يستحب للحاج أن يفعلها ، وأن لا يفرط
فيها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم – وإن كان لا يلزمه شيء بتركها .